banner-1920x600

 SHARE

التوثيق الرقمي للتراث الثقافي بالمغرب

بقلم عبد الكريم أوكيناز

تلقيت دعوة للمشاركة في الجولة الثقافية التي نظمها فريق برنامج ذاكرة الممول من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتنفذه مؤسسة الأطلس الكبير مع مجموعة من الشركاء المحليين. استغرقت جولة ذاكرة في الجنوب 6 أيام، ابتداء من 28 شتنبر/ايلول إلى 03 أكتوبر/تشرين الاول، وجمعت 7 جماعات قروية من أربع أقاليم هي ورززات وتارودانت وتزنيت وكلميم. كان الهدف الرئيسي منها الاحتفاء بالتعددية الثقافية التي تتميز بها هذه المناطق والتي تنعكس على مستوى تقاليدها المحلية

وقد قمت خلال هذه الجولة، التي استمتعت بها كثيرا، بتقديم مجموعة من التكوينات لفائدة مجموعات من الشباب المحليين اللذين ينتمون الى الجماعات الترابية السبع التي زرناها، حول موضوع استعمال التقنيات والبرامج الحديثة المفتوحة المصدر لتوثيق التراث الثقافي المتنوع بالمغرب

تدخل هذه التكوينات في إطار الشراكة التي تجمع بين مؤسسة الأطلس الكبير والجمعية الأمريكية للبحوث الخارجية. ويتكون عمليا هذا البرنامج، الممول من قبل متبرع مجهول، والذي يهدف إلى توثيق مختلف المواقع التراثية التي تعود للأقليات الدينية والعرقية بشمال إفريقيا من شقين: الأول يهم جرد وتوثيق وأرشفة مواقع التراث الثقافي، والثاني مرتبط بإنجاز سلسلة من التكوينات في مجال التوثيق الرقمي للتراث، أنجزنا منها إلى حد الآن ثلاث دورات في كل من مدن الدار البيضاء والصويرة وتارودانت. ومن المقرر أن تجرى تكوينات أخرى في المستقبل في نفس الموضوع لمجموعة من المشاركين من شمال المغرب

صورة من الدورة التكوينية المنظمة بملاح مدينة الصويرة في شقها التطبيقي

يشمل كل تكوين حصصا تدريبية نظرية وتطبيقية بالميدان، بمعدل ساعتين لكل حصة، الهدف منها جعل المشاركين قادرين على جمع وتوثيق وأرشفة المعطيات حول المواقع التراثية انطلاقا من استبيانات وتقييمات المشروع الذي يقومون بإنشائه على منصة الكوبو تول بوكس، والتي تمكننا من جمع المعلومات عن مواقع التراث باستعمال الأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة أو من خلال واجهة متصفح الويب

صورة من الدورة التكوينية المنظمة بملاح مدينة الصويرة في شقها التطبيقي

بعد ذلك نمر إلى التعرف على طرق مزامنة بيانات المواقع التراثية والبيانات الوصفية المسجلة في الميدان مع مختلف برامج نظم المعلومات الجغرافية باستعمال برنامج قيو.جي.اي.اس المفتوح المصدر، وإظهار البيانات المجمعة على شكل خرائط ثابتة وأخرى تفاعلية

وتعتبر تقنية المسح التصويري المكون الثالث لهذا التكوين، وتقوم على استخدام صور ثنائية الأبعاد لبنايات أثرية أو نقوش صخرية أو كتابات منحوتة على الألواح أو البيوت أو القبور إلى غير ذلك للحصول على مجسم ثلاثي الأبعاد بالاستعانة بآلات تصوير وبرامج حاسوبية خاصة مثل ميتاشايب، حيث يمكن الرجوع إلى هذه النماذج ثلاثية الأبعاد كلما اقتضى الأمر ذلك

صورة من الدورة التكوينية المنظمة بمدينة تارودانت في شقها النظري

أضحت عملية توثيق التراث والمواقع الأثرية في جميع أنحاء البلاد ضرورة قصوى بالنظر إلى المخاطر والتحديات التي أضحت تحدق بها من قبل الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو تلك الناتجة عن بعض الأفعال الطائشة للإنسان كالحرائق أو السرقة أو التخريب الذي قد يطالها من بعض الجاهلين بقيمتها وأهميتها التراثية، فاحتمال ضياع أو تلف أو اندثار أجزاء من هذا التراث يبقى أمرا واردا، وذلك يعني فقدان الذاكرة التاريخية للمجال المعني في غياب التوثيق الآني والمناسب له

صورة من الدورة التكوينية التي نظمت لفائدة مجموعة شباب بقرية تمزريت التابعة لجماعة إغرم نوكدال بإقليم ورززات

لمسنا أثناء تنشيطنا لهذه التكوينات استعدادا كبيرا من المشاركين الشباب لهذه التكوينات التي سوف تمكنهم من تقوية قدراتهم في هذه التقنيات الحديثة التي تسهل جمع توثيق وأرشفة المعطيات، سواء في إطار برنامج توثيق المواقع التراثية او في مشاريعهم الخاصة سواء كانت أكاديمية أو عملية

تتوخى مؤسسة الأطلس الكبير وشركائها من هذه التكوينات تنمية قدرات أكبر عدد ممكن من الشباب في التقنيات المشار إليها أعلاه، أولا لتحسيسهم بأهمية الاعتناء بالتراث الثقافي باعتبـاره أحـد المكـونـات الأصيلـة للهـويـة المغـربيـة المـوحـدة، الغنيـة بتعـدد روافـدها، وجعلهم متمكنين من هذه التقنيات في أفق تمريرها لمجموعات أخرى في المستقبل، ثم توثيق وأرشفة وتعميم ونشر المعطيات المجمعة ضمن خريطة تفاعلية ستنشر على شبكة الأنترنيت لزيادة إمكانيات الوصول إليها والتعريف بها وحمايتها وإحيائها لفائدة الأجيال المقبلة، و استعمالها ايضا كموارد ومؤهلات ثقافية مشجعة للسياحة